الصلاة من آكد أركان الإسلام، وهي الركن الثاني بعد الشهادتين، وفرضها الله تعالى على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في أعلى مكان وصل إليه البشر، وفي أشرف ليلةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبدون واسطة لأحد.
ويتساءل البعض عن كيفية صلاة الأبكم والأصم؟ أن تكليف الشخص متعلق بالعقل فقط، وليس بالسمع واللسان، فما دام الشخص عاقلًا بالغًا يستطيع أن يعلم ما يجب عليه وما يحرم عليه فإنه مكلف ولو كان لا يسمع ولا يتكلم، وهو محاسب على المعصية إن لم يغفر الله له، كما أنه مثاب على الطاعة إن شاء الله تعالى.
وهناك قاعدة عامة في الشريعة تقول: إن من عجز عن شيء من الواجبات سقط عنه، ولزمه الإتيان بما يقدر عليه منها؛ لقول الله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [التغابن: 16]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه.
والأبكم والأخرس الذي لا يستطيع القراءة: يسقط عنه ما عجز عنه، فإن كان يحسن أن يسبح أو يذكر الله ، فإنه يسبح ويذكر في مواضع القراءة، وإن كان يعجز أيضا عن التسبيح، فلا يعلمه، ولا يمكنه أن يتعلم بدله: سقط عنه، ولم يلزمه شيء بدلا من قراءته.
وإن كان يحسن التكبير في مواضعه: لزمه الإتيان به، فإن كان يعجز عن القول مطلقا، سقطت عنه جميع الواجبات والأركان القولية في الصلاة، ويلزمه الإتيان بالواجبات والأركان الفعلية كالقيام والركوع والسجود، فينوي الدخول في الصلاة بقلبه وهو قائم، ثم يركع ويسجد، دون قراءة للقرآن، ولا تلاوة للأذكار.
واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك تحريك لسانه وشفتيه وقت القراءة والأذكار؟ وجاء في “الموسوعة الفقهية ” (19/92): «مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ النُّطْقِ لِخَرَسٍ: تَسْقُطُ عَنْهُ الأْقْوَال، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لاَ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، وَإِنَّمَا يُحْرمُ لِلصَّلاَةِ بِقَلْبِهِ؛ لأِنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ عَبَثٌ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْه وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إِمْكَانِهِ، قَال فِي الْمَجْمُوعِ : وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِه، وَسَلاَمِهِ، وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، قَال ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَالْمَرِيضِ، لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَرَسِ الطَّارِئِ، أَمَّا الْخَرَسُ الْخِلْقِيُّ فَلاَ يَجِبُ مَعَهُ تَحْرِيكُ شَيْءٍ”، وما ذهب إليه جمهور العلماء من سقوط التحريك هو الأقرب.
وصلاة جمعة واجبة على الأصم والأبكم ويدل على أنه مكلف بما بلغه وفهمه ما ذكر الفقهاء من أنه مأمور بحضور الجمعة وغير ذلك ولو كان أخرس، لأن الكلام والسمع ليسا من شروط وجوب الجمعة، ولكن لا بد أن يكون الإمام مع بعض من يحضر الجمعة سالمين من الخرس.