كتبت ـ دينا شفيق
في لقاء إذاعي نادر تحدث العندليب الأسمر، عبد الحليم حافظ، عن شغف كمال الطويل بالموسيقى، فقال إنه من شدة حب “الطويل” للتلحين كان يقوم بتلحين اسمه بعدة طرق، وذلك حينما لا يجد كلمات جيدة لتلحينها، فقد كان الملحن الراحل يقيس كلمات الأغاني المعروضة عليه بقلبه أولا، فإذا استشعر قبولا تجاهها، وتخيلها بشكل مبدئي من حيث الجمل اللحنية، على الفور يقوم بتلحينها.
الملحن المولود في مدينة طنطا يوم 11 أكتوبر 1922، نشأ في كنف عائلة وفدية عريقة، ورغم ذلك عانى “الطويل” من الحرمان، خاصة بعد وفاة والدته حزنا على زواج والده من سيدة أخرى، وبعد وفاة الأم أرسله والده إلى مدرسة “الأورمان الداخلية”، لكن تلك الظروف القاسية لم تؤثر على ميوله الفطرية للشعر والموسيقى، والتي ورثها عن والده، الشاعر المشاغب في فترة الشباب، واجه الاحتلال الإنجليزي بنشيد “يا عم حمزة”.
وأثناء سفر والده في بعثة إلى إنجلترا، كان يصطحبه جده إلى سرادقات الإنشاد في مولد السيد البدوي ليستمع إلى الشيخ “مصطفى إسماعيل”، فراح الفتى يجتر مخزونه من الموسيقى والغناء ليستأنس بها في وحدته بالمدرسة الداخلية.
امتلك “كمال” صوتا جيدا أهّله ليكون المطرب الرسمي لمدرسته “محمد صلاح الدين”، ولكن سوء حالته المادية حال دون شرائه لـ”بدلة” لحضور الحفلات، فقرر هجر الموسيقى، واللجوء إلى ثاني مواهبه وهي الرسم، حيث عمل رساما في الأشغال العسكرية بالقوات المسلحة، يقوم بتصغير وتكبير الرسوم والخرائط، مقابل 12 جنيها شهريا، على أن يعيش في مدينة الإسكندرية، فسافر إلى هناك وسكن في “بنسيون” بسيط مقابل 4 جنيهات في الشهر، ووجد لديه الوقت الكافي للعودة إلى الموسيقى مرة أخرى.
وفجأة قرأ عن “معهد جمجوم” لتعليم الموسيقى، فذهب إليه على الفور ودفع ثلاثين قرشا، المصروفات الشهرية، وانتظم في الدراسة بهذا المعهد لمدة أربع سنوات، وتتلمذ على يد المطربين الكبيرين “عبده السروجي، وعباس البليدى”، كان فى هذه الفترة قد تعرف على الملحن رؤوف ذهني “سكرتير الموسيقار محمد عبد الوهاب”، وساقته الظروف للسفر إلى القاهرة والمضي قدما على تحقيق حلمه في الموسيقى.
التحق بمعهد الموسيقى والمسرح في شارع “المبتديان”، وهناك التقى “عبد الحليم شبانة”، وقد لفت عبد الحليم نظر كمال الطويل، ونشأت بينهما صداقة وطيدة، ولكن “حليم” بذكائه وحساسيته الفنية اكتشف في “كمال” ملحنًا أكثر منه مطربًا فسأله ذات يوم: “لماذا لا تلحن؟”، واستحسن “الطويل” الفكرة وراح يبحث في أشعار والده عن قصيدة يبدأ بها مشوار التلحين واختار قصيدة تقول: “إلهي ليس لي إلاك عونا .. فكن عوني على هذا الزمان”.
تخرج “كمال وحليم” في المعهد، وذهب “الطويل” ليعمل في الإذاعة، بينما عمل “حليم” مدرسا بالزقازيق مقابل 8 جنيهات، واستطاع “الطويل” أن يلحق صديقه بأوركسترا الإذاعة براتب قدره 25 جنيها، وكما اكتشف “حليم” ملكة التلحين لدى “كمال”، قام الآخر باكتشاف ملكة الغناء في “حليم” واستطاع اعتماده كمطرب بالإذاعة، ليقدم له على مدار تاريخه الفني 56 لحنا لأغان تنوعت بين الوطنية والعاطفية مثل: “بالأحضان، ابنك يقولك يا بطل، هاتلى نهار، وناصر يا حرية، وصورة، واحلف بسماها وبترابها، بلاش عتاب، جبار، على قد الشوق”.