أرّقه بوست انتشر على الفيس بوك ينتقد تشييد الطريق الإقليمي، ويندد بما أنفق عليه من أموال، طارحا سؤالا: ما فائدة هذا الطريق مع وجود الدائري بديلا له؟!.. أغلق الفيس ولم يلق بالا بما قرأه أثناء انتظار العائلة في السيارة، فهو أعلم بالدائري، فكم اكتوى بنار زحامه.. اكتمل الجمع فأدار محرك السيارة وأقلع من طنطا مارا ببركة السبع ومنها الى قويسنا فبنها ومنها الى قليوب .. وضع وقودا في سيارته ونقد عامل المحطة ١٠٠ جنيه ثم صعد الدائري.. اطبق بكلتا يديه على مقود السيارة وارتفعت دقات قلبه حين رأى الزحام مطبقا على الطريق الدائري كالعادة، هو لا يعبأ بطول المسافة من طنطا لرأس سدر ولا يؤرقه سوى الدائري بزحامه الرهيب وضجيجه المزعج والتصاق السيارات ببعضها وشعوره كأنه انحشر في عنق زجاجة ولا يتنفس الصعداء الا حين يجتازه ممسكا بطريق السويس الرحب السريع.
اجتاز مطلع الدائري بصعوبة بالغة قاطعا بضعة أمتار، محاولا فض التشابك بين السيارات المتلاصقة وعيناه تدور يمينا ويسارا؛ حتى لا تصطدم سيارته بأخرى، وقدمه تتحرك بآلية معينة وكأنه يخيط ثوبا بماكينة عتيقة وببطء شديد. يسير بضعة أمتار ثم يتوقف وهكذا والزحام يشتد مع تدفق السيارات والحر يخنق الأنفاس وعقارب الساعة تزحف ببطء والسرعة لا تزيد على ١٠ كيلومترات في الساعة.
تطلع من نافذة السيارة يائسا فاصطدمت نظراته بصندوق السيارة الملاصقة لسيارته. اعطى سائقها اشارة كي يتزحزح قليلا منعا للاحتكاك ولكن لا حياة لمن تنادي. اطلق آلة التنبيه فتلاشى صوتها في الهواء ولا مجيب. لمح سيارة اسعاف تحاول شق الزحام لإنقاذ حياة مريض وسيارة اخرى تحمل حقائب كثيرة لمسافر يسعى جاهدا لاختراق الزحام كي يلحق بطائرته. تخدرت قدمه اليمنى من تكرار التنقل بين دواسة البنزين والفرامل. السرعة لا تزيد على 10 كيلومترات في الساعة والساعة جرجرت معها نصف ساعة أخرى ولم يجتز سوى بضعة كيلومترات.. شرايين الدائري تضخ السيارات في أحياء ومدن القاهرة بينما تتدفق سيارات كثيرة من المحاور الصاعدة فيزداد الزحام.. التوقف المستمر اصابه بضيق شديد، واخيرا هبط من الدائري بعد ثلاث ساعات من الملل والضيق والإرهاق.. عرج على اول محطة وقود وملأ خزان سيارته وواصل سيره على طريق السويس الواسع، مجتازا النفق ومنه إلى رأس سدر دون أن يعترضه زحام ولا ضيق.
جلس أسبوعا في مصيفه وفي رحلة العودة غمرته السعادة عقب علمه بافتتاح الطريق الإقليمي.. لم يتردد في ارتياده لأنه سينهي معاناته مع الدائري.. كان شعورا رائعا والسيارة تنساب على هذا الطريق الواسع مارة بمحافظات القاهرة والشرقية والقليوبية والمنوفية ولم تمض ساعة إلا وكان في قويسنا، موفرا وقتا وجهدا ومالا.. شعر بفخر شديد وهو يرى هذا الإنجاز يتحقق على أرض الواقع.. كتب هشتاجا عن الطريق الاقليمي وحكى تجربته.. كم أنت عظيم ايها الطريق الإقليمي!.. فكم من مريض تم انقاذه، وكم من مسافر لحق بطائرته، وكم من طالب لم يتأخر عن امتحانه، وكم من موظف أدرك عمله.