

كتبت ـ دينا شفيق
في ذكرى وفاة الدكتور مصطفى محمود الذي تم اتهامه بالإلحاد ولكنه في الحقيقة بريء من ذلك، لكنه تعمق في علوم الطبيعة والدين ليواجه كل التهم التي تنكر وجود الله في حياتنا، ومن خلال ذلك حاول توصيل تلك المفاهيم البسيطة إلى الإنسان البسيط الذي يجهل ذلك.
كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه الله والإنسان بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر، وانتهت المحاكمة بمصادرة الكتاب، والمدهش أن السادات بعد ذلك أبلغه أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى.
وكانت أزمتة الثانية مع كتاب الشفاعة، الذي صدر في حوالي عام 2002، وترتب عليه ثورة عارمة ضده تقول بأنه ينكر الشفاعة ويطعن في صحيح البخاري ومسلم واتهم بأنه يعتنق فكر المعتزلة، وقد تعرض لهجوم شديد بسبب الكتاب بل وصدر 14 كتابا للرد عليه، وقالوا إنه مجرد طبيب لا عالم دين ووصفوه بالمارق ولم ينصفه سوى الدكتور نصر فريد واصل، وكانت هذه الأزمة محنة شديدة جعلته يعتزل الكتابة إلا قليلا وينقطع عن الناس حتى أصابته بجلطة، وفي 2003 أصبح يعيش منعزلا وحيدا إلى أن توفي في مثل هذا اليوم .
وهو أنكر كل ذلك، وأكد على أن ما قاله هو لعدم اتكال الناس على الشفاعة فقط مما يترتب عليه عدم محاولاتهم الإصلاح من أنفسهم وعمل البر والخير، ورفعت ضده قضايا ردة وكفر وحكم فيها بالبراءة في حوالي عام 2006 ولكن كل ما أثير حول الرجل كان يصيب بغصة ومرارة شديدة لما يقابل به اجتهاده الذي لا يرغب به إلا أن تستفيد الناس.
فمن وجهة نظر كل الناس الملحد هو شخص ضد الله، وضد الدين، ويكرهه الناس حتى لو كان هؤلاء الناس أنفسهم غير مهتمين بالدين ولا يعرفون عن الالتزام به شيئاً، ولكن الحقيقة أن عالمنا الكبير مصطفى محمود إبان عمله كطبيب في أول حياته كانت الفكرة قد بدأت تختمر في أرجاء عقله فيقول فى مذكراته:”لم تكن هذه البداية.. فالبداية منذ الطفولة منذ كتاب سيدي عز والشيخ الدجال الذي سبب وعظه الخاطيء لي نفوراً شخصياً منه وإلى أن يتجه عقلى إلى طريق آخر في التفكير، بداية مرحلة الشك في صورة أفكاري وأنا طفل وهو: لماذا نستقبل منذ مولدنا كل الأفكار كمسلمات يجب أن نرضى بها؟! لماذا نقنع بكل ما يدرس ويعلم لنا من الكبار؟! هل هم علماء وكلامهم يقين؟! هذه هي بداية الشك التي تحدث عادة لأي أحد في نفس مرحلتي وظرفي”.
الحقيقة أن في كلام الدكتور مصطفى محمود خير شرح للحالة التي ثار حولها الجدل، وظلت تلاحقه في كل أزمة يمر بها فيما بعد من بداية للتفسير العصري للقرآن ثم الشفاعة، الإلحاد الذي يقصده الدكتور هنا ليس المقصود به الشرك، حاشا لله، وليس المقصود الكفر بالله أو أنه الإلحاد الذي يتعلق به الماديون والجدليون أو الهيجليون.
ولكن ما يقصده هو كما قال في مذكراته:”أنا عمري ما شككت في وجود الله سبحانه وتعالى، وأنه الواحد الأحد القهار، ولم ينتبني الشك مطلقاً في القدرة الإلهية وأنها تدير هذا الكون الكبير من حولنا، وأن هذا الكون باتساعه الكبير هو خير برهان ودليل على وجود الخالق الأعظم، فهو يفصح ويثبت ويبرهن بل يهتف لا إله إلا الله محمد رسول الله”.