في لقاء جمع السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بوزيرة العمل والإصلاح الإداري بالسودان سعاد الطيب؛ لتبادل الخبرات حول قضايا الهجرة والعاملين بالخارج، ثمنت الوزيرة المصرية، تجربة الأشقاء في السودان، في التعامل مع ملف المغتربين، وتنظيم الجاليات السودانية حول العالم، مشيدة بدور نوادي المغتربين السودانيين في الخارج، ودعم العمالة الوافدة، حتى تستقر أوضاعها، فضلًا عن احترام القوانين للبلد المضيف.
إلى هنا ينتهي كلام معالي الوزيرة، فهل تكفينا الإشادة، وتغنينا عن البحث في أسباب نجاح التجربة السودانية، لتكون بحق تجربة ملهمة لوزارة الدولة وشؤون المصريين بالخارج، ولأندية الجاليات المصرية التي تخضع لإشراف وزارة الخارجية، وسفارات مصر وقنصلياتها في الخارج؟!.
ولتكون التجربة السودانية ملهمة لنا بحق، لابد وأن نتعرف على تفاصيلها، فأنا شاهد عليها في أكثر من بلد عربي شقيق، بداية من السعودية، مرورا بقطر، وصولا إلى سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة.
البداية كانت عبارة عن حالة من الدهشة انتابتني في يوم جمعة، بأحد أحياء مدينة الرياض، عندما خرجت من أحد الجوامع التي تقام بها صلاة الجمعة، بعد انقضائها بوقت ليس بقصير، وإذا بي أمر على مبنى كبير، ظننته في بداية الأمر جامعا، من كثرة ما رأيت كل من خرج منه، يلبس الجلباب السوداني الأبيض، فقلت في نفسي: لعلهم كلهم سودانيون، وأتوا هنا في مناسبة جمعتهم، فصلوا جميعا صلاة الجمعة فيه، ولما دققت النظر بعدما استوقفني المشهد، تأكدت أنه النادي الاجتماعي للجالية السودانية في الرياض، ومن وقتها وأنا أراقب هذه التجربة الاجتماعية الراقية، التي لم أكن أعرف لها نظيرا لدينا كمصريين، على الأقل بالنسبة للفترة التي قضيتها في مدينة الرياض السعودية، وتمنيت أن نحذوا حذوهم، أو أقل.
عندما سافرت إلى سلطنة عمان، تعرفت على التجربة الاجتماعية السودانية عن قرب، بصفتي الصحفية، لأنني كثيرا ما دعيت إلى فعاليات ثقافية وفنية وأدبية، يقيمها نادي الجالية السودانية في مسقط، وكنت سعيدا بها، لدرجة أنني كنت أمازح الأخوة الأشقاء السودانيين، مفتخرا ومتباهيا ومندهشا، بتجربتهم الاجتماعية الراقية في الخارج، وكنت أقول لهم: “لو لم أكن مصريا .. لوددت أن أكون سودانيا”.
نأتي للتفاصيل التي عرفتها عن تجربة الأخوة الأشقاء السودانيين الاجتماعية، وما عرفته وتأكدت مما يقدم فيها من خدمات ومساعدات، لم أرها فيما بين الجاليات الأخرى في الخارج، وإن طبق جزء منها، فهو لا يكاد يذكر، وبالتالي لن يرقى إلى هذه التجربة الاجتماعية السودانية.
أولا عرفت أن أي سوداني يسافر إلى الخارج، فإنه يذهب مباشرة إلى نادي جاليته في البلد الذي يصل إليه، ويتكفل النادي بإعاشته، والإنفاق على أسرته في بلده، حتى يعثر على فرصة عمل (محترمة)، ورفاق وطنه هم أيضا من يبحثون له على هذه الفرصة، وبقدرة قادر يتحصل على مسكن ملائم وسيارة مناسبة، ويأتي عليه الدور في مساعدة غيره عندما تستقر أوضاعه.
ومما يؤكد على ما أقوله وزيادة، أن طالبة سودانية، كانت زميلة إبنتي في إحدى المدارس الخاصة في مسقط، وتوفي والدها – رحمه الله – في بداية العام الدراسي، وكان يعمل مهندسا وحالتهم ميسورة، يسكنون في فيلا ولديهم شغالة، والطبيعي أنه مع ما حدث، فإن الأمور تتجه إلى أن تعود هذه الأسرة إلى وطنهم السودان، لأنهم فقدوا عائلهم، وإذا بنا نعرف أن نادي الجالية السودانية بمسقط تكفل بالإنفاق على هذه الأسرة، وعلى تعليم أبنائها السنة الدراسية كاملة، ولم تشعر هذه الأسرة بفقدان عائلها، لأن من بالجالية السودانية، اعتبروا أنفسهم أهلا لهؤلاء الأبناء، أي رقي هذا الذي أجده في تفاصيل هذه التجربة الاجتماعية الرائدة؟!
ومثلما رأيته في مسقط رأيته في الدوحة والإمارات العربية المتحدة.
وهناك من الأحداث عن هذه التجربة، ما أدهشني ووقفت أمامه مذهولا، عندها كررت لهؤلاء الرفاق السودانيين مقولتي: “لو لم أكن مصريا .. لوددت أن أكون سودانيا”.
الحكاية أيها السادة حدثت أمامي في إمارة الشارقة، عندما كنت في مهمة عمل صحفية، دعي لها صحفيون أشقاء من السودان، وبينما كنا نتمشى ليلا في ممشى يلف بحيرة الشارقة، قابلنا مجموعة من السودانيين، فإذا بهم – عندما رأوا أصدقاءنا السودانيين – يأتون إليهم ويسلمون عليهم سلاما حارا جدا، ويصرون على عزومتنا جميعا في أقرب مقهى، ويظل هؤلاء السودانيون جميعهم يتجاذبون أطراف الحديث، وكان الشوق ظاهرا على طريقة حديثهم مع بعضهم البعض، وبعدما انصرف الآخرون، سألنا زملاءنا الصحفيين السودانيين، عن طبيعة ما يربطهم من علاقة قرابة أو صداقة مع هؤلاء، فأخبرونا بأنهم لم يكن بينهم سابق معرفة، وأن هذا هو التعارف واللقاء الأول بينهم، لمجرد أنهم سودانيون، فكانت النتيجة أننا كنا نضرب أكفنا ببعضها؛ اندهاشا بما رأينا.
أظن أننا الآن على مشارف الاعتراف، بل والتأكيد على أن التجربة الاجتماعية السودانية ملهمة ورائدة، وأتمنى أن نصل نحن المصريين إلى تطبيق هذه التجربة، وهي أمنية ليست صعبة المنال، فنحن نستطيع.