سعدت بمتابعة برنامج “أمسية ثقافية” على فضائية “ماسبيرو زمان”؛ متمردا على مشاهدة برامجي التي اعتدت متابعتها على القنوات الفضائية المصرية الخاصة. أدار الأمسية الفنان القدير محمود مرسي، ومن يعرف محمود مرسي من خلال أعماله الدرامية الرائعة سواء التليفزيونية أو السينمائية فقط، أضيف له معلومة بأنه تخرج من كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم الفلسفة، درس الإخراج وتخرج من معهد السينما من باريس ولندن، اشتغل بهيئة الإذاعة البريطانية – بي بي سي – واستقال منها على الهواء مباشرة، بعد العدوان الثلاثي على مصر، عمل أستاذا بمعهد السينما ومخرجا بالتلفزيون المصري.
أعود للأمسية الثقافية التي ضمت ضيوفا بقامة الفنان عبدالرحيم الزرقاني، والمسرحي جلال الشرقاوي والكاتب نعمان عاشور.
دارت الأمسية حول الواقعية في المسرح المصري، مقارنة بأشكال ومذاهب المسرح الأخرى مثل الرمزية والتعبيرية والطبيعية والتجريب، حيث التشابه باستثناء التجربة الحقيقية الواقعية، بداية من الكلمة والممثل والإخراج بما يشمله من عناصر السينوغرافيا.
كما ناقشت الأمسية جدلية التطبيق الحرفي للنص من قبل المخرج، وتحقيق وجهة نظر المخرج، إما بعيدا عن أو من خلال النص، وقضية طغيان القطاع الخاص في المسرح على القطاع العام وقتها، ووجهة نظر الزرقاني واعتراضه على نرجسية الممثل واستعراضه لشخصيته على حساب النص، كما ناقشت الأمسية قضية الرقابة على المسرح والمناداة بإلغائها، وقضية الإيمان بالفن ورؤية تحقيق العدالة، ومسؤولية المعاهد في تقديم عناصر فنية ورفد المسرح بهم وإعادة اكتشاف وجوه متواجدة وإظهارها .. (لا تعليق !!!).
قلبت في فضائياتنا فاستوقفني أحد برامج التوك شو، عارضا قضية هزت الرأي العام المصري والعربي، بأحداثها التي دارت بأحد أحياء مدينة الإسماعيلية، وقد تابعها ملايين المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي، باستنكار واستهجان، لم نره من المتابعين الحقيقيين الذين شاهدوا المأساة ورصدوها بأعينهم، وقد ماتت فيهم النخوة، مثلما مات كل شيء طبيعي وجميل في أنفسنا.
معقولة ما نراه وما نسمعه، وما شاهده أهل الإسماعيلية، ذبح حقيقي في وضح النهار، انفصال الرأس عن الجسد، القاتل يحمل ساطوره في يد، وفي اليد الأخرى رأس القتيل، منظر مروع لا يصدق، وتبلد مشاعر وخزي محقق لمن تابعوا الواقعة، يصورونها ببرود .. (لا تعليق !!!).
أقلب في نوافذ المواقع الإخبارية؛ فأجد خبرا عن السبكي، وما أدراك ما السبكي، منتج الفظائع، وسأكتفي بعرض إحداها (عبده موته .. محمد رمضان) بلطجي يعمل في تجارة المخدرات، يتخذ من قوته سلاحا لفرض الإتاوات على أهالي الحي، في الوقت الذي تتطلع فيه بنت الحارة أنغام (حورية فرغلي) للزواج منه، وعلى الجهة الأخرى تقع الراقصة ربعية (دينا) في علاقة غير شرعية معه، وهكذا ابنة خالته عالية (رحاب الجمل).
الغريب في تفاصيل عرض فيلم عبده موته، أن حورية فرغلي (إحدى بطلات العمل) تغيبت عن حضور العرض الخاص بالفيلم؛ لسفرها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، بعدما فعلته وما تركت من أثر من خلال دورها في الفيلم .. (لا تعليق !!!).
الأغرب أن عبده موته، أصبح (نمبر 1) تريند في جميع وسائل الإعلام، تاركا أثرا يحتذى به في البلطجة، وحمل السنج والأسلحة البيضاء بجميع أشكالها، وهو مستمر في التريند (نمبر 1) .. (هنا وجب التعليق) ..
أولا: أين دور الرقابة في السماح لهذه الأشكال أن تطل علينا من خلال شاشة السينما ؟!، وإن كانت الأفلام تعامل معاملة خاصة من خلال الرقابة، فأين كانت الرقابة حينما أجيز وعرض مسلسل (ملوك البلطجة .. عفوا ملوك الجدعنة) رمضان الماضي ؟!.
ثانيا: أين دور الجهات الأخرى المنوط بها متابعة ورصد وتحليل المواد الإعلامية والدرامية المقدمة للمشاهدين عبر القنوات الفضائية ؟؛، بل أين دور الأزهر من كل ما يعيق توصيل رسالة سمحة ومفيدة عبر وسائل الإعلام وقنواته ؟!.، أين دور المثقفين الذين يتحملون نصيبا من مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم، بما فيهم من أكاديميين، كل همهم فرض سلطتهم وأوهامهم على الطلبة أثناء إلقاء محاضراتهم في الجامعات ؟!.، بل أين دور الدولة بأجهزتها التتفيذية، على اعتبار أن تدخلها حتمي ومطلوب قبل وقوع الجريمة، على اعتبار أن مجرد ظهور (عبده موته) على شاشات السينما أو التليفزيون، هو حض على الجريمة، وتهيئة أسبابها، والدعوة إلى ارتكابها.
إنني أرى جريمة مكتملة الأركان اقترفها (عبده موته)، ساعده فيها السبكي بفظائعه، والمؤلف بأفكاره الهدامة للمجتمع، وباقي فريق العمل، بالإضافة إلى كل من أعلنت عن مسؤوليتهم في أن يصل إليه حالنا الأخلاقي إلى ما وصلنا إليه، كما لا أستثني الأسرة من المسؤولية، لأنهم جميعا – وبكل هذه التراكمات – أوصلونا إلى حد أن تودي بنا خلافاتنا إلى حمل السنج والسكاكين والسواطير، وإلى حد الذبح وفصل الرأس عن الجسد، وحملها أمام الناس، الذين كان كل همهم أن يصوروا المشهد، حتى يصبحوا (تريند) و(نمبر 1) مثل (عبده موته)، إنني أرى وجوب محاكمة كل هؤلاء؛ لأنهم شركاء (عبده موته) في جريمته.