رئيس مجلس الادارة : إيهاب مباشر

رئيس التحرير : حنان الشايب

إيهاب مباشر يكتب «عندما يصبح المجتمع مرآة الفن !!!»

 

 

 

فتحنا أعيننا وتفتقت أذهاننا جميعا – من خلال اطلاعنا وبحثنا ومتابعاتنا – على تعريف مختصر للدراما وهي أنها مرآة لما يحدث في المجتمع، بمعنى “الفن مرآة المجتمع”، وزيادة في التوضيح، علمنا تعريفا عاما للدراما بأنها “نوع من الأعمال الأدبية التي تصور الحياة أو القصة والشخصية والسلوك البشري من خلال الحركات والحوارات سواء من خلال السينما أو التليفزيون أو من خلال المسرح” بما يؤكد أنها (محاكاة للواقع)، وهذا يعني أن ما كتبه المؤلف كنص درامي، لابد وأن يترجم ما يراه في الواقع.
وللوقوف على بعض التفسيرات لكتاب ومؤلفين وخبراء عالميين، سأذكر على سبيل المثال تفسير الناقد الفرنسي فرديناند برونتيير حيث قال “الدراما تولد الإرادة من خلال العمل أو الحركة”، في حين قال الكاتب الأمريكي مولتون “الدراما قصة حياة مصورة في شكل حركة أو عمل، يتم تقديمها مباشرة في العمل”. وقال بالتازار فالهاغن “الدراما فن يصور الطبيعة والطبيعة البشرية في الحركة”. وقال الكاتب الإندونيسي بوديانتا “الدراما نوع أدبي يُظهر المظهر الجسدي شفهيًا لكل محادثة أو حوار بين القادة”، أما سيفاردي فقال “إن الدراما قصة يتم سردها من خلال الكلمات والحركات”. وختاما لبعض تفسيرات معنى الدراما قال فريق ماتريتا ميديا ​​ماتريكس “الدراما هي شكل من أشكال السرد الذي يصور حياة الإنسان والطبيعة من خلال السلوك المرحلي أو التمثيل”.
وقد حدد الكتاب والمهتمون بالمجال الثقافي والفني مجموعة من الوظائف من خلال ما يقدم لنا من دراما، فكان أول ما تبادر للذهن هو الجانب الترفيهي أو (التسلية) و(الضحك)، وهما الأقرب إلى تفسير (الترفيه)، بالإضافة إلى أن الدراما يعول عليها في الجانب التعليمي، أو فيما يخص المعرفة، باعتبارها وسيلة تعليمية، ويجب في خضم ذلك ألا ننسى الأثر الأخلاقي للدراما، فيما تؤصله في نفوسنا من قيم أخلاقية تقدم من خلال حكايات من الحياة فيما يخص الإنسان، هذا عدا ما يقدم من معلومات في شكل معرفة للجمهور مثل الدراما حول التاريخ والطبيعة وغيرها، بالإضافة إلى دورها في نقل القيم الجمالية وتعليم القيمة الاجتماعية.
“هو فيض من غيض”، إذا أردنا أن نطلق مسمى على ما استخلصناه من بحثنا واطلاعنا، من تعريفات وتفسيرات لمعنى الدراما وطبيعتها ومسمياتها ووظائفها وأدوارها في حياتنا، فأين الإشكالية إذن فيما نراه ونتابعه في هذه الأيام، من دراما (مصرية)، نسفت كل دور قدم أيام (زمن الفن الجميل)، عندما كنا نطلق عليها مسمى (الدراما العربية)، على اعتبار أننا كنا سباقين في هذا المجال ومتفوقين على أقراننا، فيما يخص الجانب السينمائي ؟.
قبل أن نلج إلى عرض وتحليل بعض ما يقدم، ويثير الجدل، لابد وأن نذكر أنفسنا بجدل كان قائما، وكان هناك اعتراض عليه من قبل معظم النقاد الفنيين وهو (السينما النظيفة)، وهو مرتبط إلى حد كبير بما نناقشه.
يتذكر جميعنا ما كان يقدم في السينما أيام (زمن الفن الجميل)، هذه الجملة التي لن أمل من تكرارها، وهي أشمل وأوسع من أن تقتصر على فن الدراما فقط، وهذا ليس مكان التفصيل فيها.
أعود لما كان يقدم من دراما سينمائية في هذا الزمن، وكيف أن الكاتب ومن بعده المخرج والممثل، كانوا يعتمدون على الإيحاء في طريقة عرض كل ما يخالف الطبيعة البشرية السوية من أحداث، معتمدين على وعي المشاهد، وهم في ذلك يؤكدون على مشاهد تحدث في المجتمع، لكنه يلفظها، وعرضها لهم بهذا الإيحاء – تلميحا دون تصريحا – يؤكد على وعيهم ووعي المشاهدين والمتابعين، وهنا نؤكد على معنى الدراما والفن (كمرآة للمجتمع)، حيث يتفق الجميع على أن ما يحدث في السياق الدرامي، هو محاكاة لما حدث من قبل، في أضيق حدود السياق الدرامي، دون تهويل أو تهليل، ودون إخلال بالفكرة التي يريد الكاتب والمخرج إيصالها للمتفرج، بما يعني أن الفن ناقل لأحداث وتفاصيل المجتمعات، فهو (لم يخترع)، فقط هو اختار القالب الذي يقدم من خلاله فكرته ورسالته.
أما الآن فيحدث عكس ذلك تماما، وقد أمعن وتغالى الكاتب، وطوع كل حواسه الفكرية والنفسية والعصبية والانفعالية، وكل ذرة إحساس تملكها، في أن يخرج مشهدا ملتهبا يثير به غريزة الناس، متخطيا كل الطبائع البشرية، إلى كل ما هو شيطاني، لحما ودما وإحساسا، فيزيد النار اشتعالا (بافتكاساته) الشيطانية وخياله المريض، فينقلب الحال، وبدل أن تكون الدراما مرآة لما يحدث في المجتمع، أصبح المجتمع مرآة لما يحدث في الدراما، وهذا ليس قاصرا على المشاهد الخارجة عن الطبيعة والأخلاق فيما يخص العلاقة بين جنسي المجتمع، الشباب والفتيات فحسب، لكنه إمتد إلى اختراع وسائل لم يألفها الناس والمجتمع في السرقة والبلطجة والتزوير، وكل ما يخطر وما لا يخطر على قلب أو عقل بشر، مستعينا بشيطانه الفكري، فأصبح الشباب والفتيات يستقون أفكارهم مما يقدم لهم من دراما، بنت على حدث عارض بسيط، بنيانا دراميا يعتمد على خيالات المؤلف المريضة، وما يؤكد كلامنا هو كم الحوادث التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وقد اعتمد أبطالها ومن قاموا بها، على أدوات وطرق شاهدها البعض منهم لأول مرة من خلال السينما أو التليفزيون، بدليل أن بعض من تم التحقيق معهم من مرتكبي هذه الجرائم، اعترف أنه كان يقلد الممثل (الفلاني)، في الفيلم أو المسلسل (العلاني).
إن ما وصلنا له من انحدار أخلاقي، دمرت فيه كل قيمنا، كثير منه تسبب فيه ما يقدم لشبابنا وفتياتنا، من خلال شاشات السينما أو التليفزيون، وإذا كانت لدينا الرغبة الحقيقية في إصلاح واقعنا ومجتمعنا، لابد لنا من وقفة مع ما يقدم، من كل أجهزة الدولة، ومن مؤسسات المجتمع المدني، حتى نتصالح مع أنفسنا، ويعود لنا سلامنا الاجتماعي، ويعود الفن لرسالته الأولى؛ فيكون (مرآة المجتمع) وليس العكس.

2021/11/10 3:24م تعليق 0 319

ذات صلة

إيهاب مباشر يكتب «بُحَّ صَوتُنَا»

بُحَّ صَوتُنَا ونحن نحذركم ونحذر القائمين على صناعة الدراما في الثلاثين سنة الأخيرة، من أن ما يبث على شاشات السينما والتليفزيون يمثل جرائم مكتملة الأركان. بُحَّ صَوتُنَا ونحن نستحلفكم بأي شيء بقي لديكم تدركون أو يدرك من حولكم قيمته فيكم،...

إيهاب مباشر يكتب “درء الأتراح مقدم على جلب...

    تتزاحم لدي المقدمات، فتصيبني حيرة كبيرة وشتات تصعب معهما العودة إلى بداية ترضيني، ولا سبيل أمامي إلا الاستسلام لأقربها إلى الولوج إلى مبتغاي، حيث كلها يفضي إلى المبتغى. ولتسمحوا لي أن أقدم مواساتي لكل إنسان فقد أمه، طفلا كان أو...

إيهاب مباشر يكتب «زعماء فوق العادة»

  بادئ ذي بدء، أقدم تهنئتي لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ وللشعب العماني الأصيل المضياف، بمناسبة الاحتفالات النوفمبرية، العيد الوطني الواحد والخمسين المجيد، داعيا الله أن يديم على جلالة السلطان موفور الصحة والعافية...

إيهاب مباشر يكتب .. لا خوف عليهم ولا...

وإن لم يكن هدفي الأساسي من مقالي عن شيخي الأستاذ أحمد مرعي - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - لم يكن الهدف منه أن يتذكره محبوه ومريدوه فقط، وإن كان بعضا من...

إيهاب مباشر يكتب “الشفافية، ثم الشفافية، ثم الشفافية”

  دعوني أعلن في البداية ثقتي المطلقة في وطنية وطهارة ونظافة يد الرئيس السيسي، كما أعلن ثقتي في وطنية المؤسسة العسكرية المصرية، وما سأذكره فيما سأخطه لاحقا، ليس نقدا بغرض النقد، ولكن تحليلا بسيطا لما يحدث هذه الأيام التي أراها...

إيهاب مباشر يكتب “المعادلة الصعبة”

كما جرت العادة في التعاطي مع كل شيء جديد، انقسم قراء الجرائد الورقية اليومية، حيال التعامل المبدئي مع الصحافة الإلكترونية، بتفاصيل وأزرار وشاشات، خلقت حاجزا نفسيا بينها وبين بعض من يجلس أمامها، بعد أن كان القارئ يذهب مسرعا إلى...

جميع الحقوق محفوظة © 2024 القاهرة اليوم نيوز