لم يكن يتخيل مدير المدرسة الذي قضى حياته بين جدران مدرسته وبين طلابه وطالباته يهتم بهم وبأحوالهم ويدفعهم للتقدم ويكرم المتفوقين ويشد من أزر الضعاف ليرفع من مستواهم، هذا المربي الذي كرس حياته للعلم ولمدرسته والذي كان ينافس بها بين أفضل مدارس منطقته، لم يكن يتخيل أن تكون نهايته قتلا على يد أحد أصدقائه طمعا في المال الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

بدأت الواقعة بسماع أهل قرية كفر الباجور خبر العثور على جثة عماد عبدالباري أبو علي صاحب الـ48 عاما والذي يعمل مديرا للمدرسة الإعدادية بكفر الباجور مقتولا بطلق ناري في الرأس، نزل الخبر على أهالي القرية كالصاعقة فالقتيل يشتهر بين أبناء قريته والقرى المجاورة بحسن المعاملة ودماثة الخلق، ولم تكن له أي خلافات مع أحد تدفعه لقتله، ذلك المعلم الذي دفعه ضيق الحال وكثرة متطلبات الحياة وهمومها إلى أن يقوم بأي عمل بعد فراغه من اليوم الدراسي ليساعده على مجابهة متطلبات الحياة وتلبية طلبات أهل منزله وتوفير المصروفات اللازمة لأبنائه الذي عكف على تعليمهم في الجامعات ليرتقي بهم من منابع الجهل، وبعد حيرة طويلة في مشروع يقوم به، هداه تفكيره الى الاتجار في الحبوب والغلال وبالفعل لم ينتظر؛ فبدأ على الفور ممارسة تجارته، فكان يستيقظ في الخامسة فجرا ليكون أول الحاضرين الى المدرسة ليستقبل طلابه ومدرسين المدرسة الذين اعتادوا على سماحة وجهه وابتسامته الذي كانت لا تفارق وجهه طيلة يومه رغم المجهود الشاق الذي كان يبذله منذ شروق الشمس حتى غروبها.

وبعد انتهاء اليوم الدراسي كان يعود لبيته يتناول وجبة الغذاء بين أبنائه ثم ينطلق لمزوالة تجارته فيسعى بين الحقول يشتري الغلال من المزارعين ويتفق معهم على الأسعار ثم في نهاية الليل يقوم بجلب السيارات لتحميل بضاعته التي اشتراها، ويقوم بالذهاب بها الى كبار التجار في المركز ليبيعها له ثم يعود للفلاحين يعطيهم أموالهم ويحمد الله على المكسب الذي يتحصل عليه ويعود لبيته مجبور الخاطر حامدا ربه وشاكرا فضله،

وهكذا كانت حياة المجني عليه الى أن جاءت فاجعة موته في أحد الأيام على يد أحد أصدقائه الذى ملأ الطمع قلوبه وسيطر الشيطان على حواسه وجعله يقدم على قتل صديقه طمعا في حفنة من المال، ففي هذا اليوم بعد أن انتهى القتيل من جمع الحبوب من المزارعين وذهب ليسلمها لكبير التجار الذي يتعامل معه، فوجئ بصديق له يلح عليه أن يذهب معه ليسليه في الطريق بدلا من الذهاب وحده، وبالفعل وافق القتيل واصطحبه معه ولم يكن يشك في أن صديقه يبيت له الغدر وبعد أن أتم مهمته واستلم أمواله من التاجر وفي وسط طريق عودتهم للقرية ليقوموا بدفع أموال الغلال والحبوب الى الفلاحين، استوقفه صديقه في وسط الطريق وفي منطقة نائية على مسرب مائي بحجة إنه يريد أن يذهب لدورة المياه ونزل من السيارة الى أن وجد مكانا قضي فيه حاجته وسط ظلام دامس ومكان مهجور ليس فيه سواهم والشيطان معهم بفكره وخبثه فاجأ الجاني القتيل بسلاح ناري يحمله في يده ويطلب منه النزول من السيارة واعطائه الأموال التي بحيازته وبعد مشادة كلامية بينهما لرفض القتيل إعطائه الأموال فاجأه الجاني بطلقة نارية في وسط رأسه فأرداه قتيلا في وسط هدوء الليل المظلم، وقام بتفتيشه وأخذ جميع أمواله وقام بإلقاء متعلقاته الشخصية في مياه المسرب المائي المجاور لهم، وعاد للقرية مرة أخرى وظن انه قد نجا بفعلته الخبيثة، متيقنا أن شيطانه الذي أعماه لقتل صديقه سوف ينجيه من العقوبة، ولم يفكر لحظة في عقاب ربه ولم يؤلمه ضميره على صداقته مع القتيل الذي جمعتهما السنين منذ نعومة أظافرهما.

ومع شروق شمس الصباح فوجئ أهالي المنطقة التي وقع فيها الحادثة، بجثة شخص ملقى في وسط طريق المسرب به طلق ناري في الرأس، وعلى الفور تم إبلاغ الأجهزة الأمنية التي انتقلت للواقعة وتم تحديد هوية القتيل عن طريق شخص تعرف عليه، وبدأ البحث الجنائي يمارس مهامه ويجمع المعلومات والأدلة الى ان توصل الى ان مرتكب الواقعة هو “ع  س أ” صاحب سوبر ماركت وصديق القتيل، وبمواجهته في بداية الأمر أنكر الواقعة وبكى بدموع التماسيح على صديقه واندهش كيف يتهموه بقتل صديقه، ولكن بمواجهته بالتحريات والمعلومات التي تم التوصل اليها انهار بالبكاء واعترف بارتكابه للواقعة وقتل صديقه لوقوعه في ضائقة مالية مما دفعه لقتل صديقه ليستولي منه على الأموال التي كانت بحوزته.

وفي النهاية قضت محكمة جنايات شبين الكوم، الدائرة الخامسة، بإحالة أوراق “ع س ا” صاحب سوبر ماركت، إلى فضيلة المفتى، على خلفية اتهامه فى قضية قتل “عماد عبد البارى أبو على” مدير مدرسة بمركز الباجور، وذلك بقصد الاستيلاء على أمواله لتسديد ديون عليه بعد استدراجه لمنطقة المشروع بمدينة الباجور وإطلاق الأعيرة النارية تجاهه حتى لقى مصرعه.