في الوقت الذى لا تملك حضرتك ـ حينما تعمل في الخارج ـ حتى جواز سفرك أو أغراضك الشخصية، التى سترغم متحسرا أن تتخلص منها بأدنى سعر، أو تدفع أضعاف أثمانها في الجمارك، وأنت تعانى ويلات الغربة في بلاد الله، ستجد وأنت تسير في معظم أحياء بلدك وخاصة أحياء المهندسين والدقي والعجوزة وحتى الإسكندرية، أن كثيرا من شقق تلك المناطق يمتلكها أجانب، ومنذ أن اشتروها بأسعار رخيصة، وبمجرد أن يتركوا مفاتيحها لحراس العمارات، تدر عليهم الآلاف من الجنيهات شهريا وهو مستريح في بلده، بخلاف كم التوفير من الاستخدام الشخصي، فما بالك لو عرضها للبيع بالأسعار الحالية؟! .
ليس هذا فقط، فلو أعلنت حضرتك عن رحلة سفاري إلى الطريق الصحراوي، أو وادي النطرون، أو منطقة العامرية بالإسكندرية، أو تخوم السويس والإسماعلية؛ ستجد قطعا من الأراضي بمساحات شاسعة، بأسماء أجانب، ومشتراة تحت بند الاستصلاح والاستثمار والاستزراع، لكن الحقيقة غير ذلك، ستجدها مملوكة من أجل (التسقيع) وهو مصطلح يتداوله سماسرة الأراضي في مصر، ويعنى شراء الأرض بأقل الأثمان وتركها لا تمس؛ لتجلب أعلى الأسعار.
تخيل سيادتك كم عائد أثمان تلك الأراضي بالسعر الحالي، إننى أكاد أجزم أنهم يتكسبون من مصر أكثر بكثير مما نتكسبه جميعا في بلدانهم، مع الفارق أنهم يعاملون في مصر معاملة الأمراء، والبشوات وأصحاب المال والجاه وسياح من الدرجة الأولى، عكس ما تعامل حضرتك عندهم، كونك ليس إلا مجرد عامل بالأجر، في انتظار رسالة (التفنيش) وهى الكلمة الشهيرة عند أصحاب الأعمال العرب، عندما يرغبون في التخلص من عامل أجنبي.
وعندك أيضا التلويح بخفض الراتب، عند كل تجديد عقد العمل الذى يحميك من التسول فقط، ويا سواد ليلك، لو ساءت العلاقات مع إحدى تلك الدول، فأول شيء يلوحون به، طرد العمالة المصرية، من كافة الأعمال وتسفيرهم لبلدهم، وهذا قبل أي حوار وأي وساطة.
ومع احترامي لكل الضيوف، الذين تعاملهم مصر، معاملة كبار الزوار وتوفر لهم كل سبل الراحة، والمعاملة الراقية، وإمعانا في الكرم المصري، يسمح القانون لكافة الأجانب بالتملك، مثل المواطن تماما، مسموح لهم أن يتملكوا في بلدك كل شيء تقريبا، ولفارق نسب تحويل العملات الأجنبية، وما لديهم من القدرة والمقدرة الشرائية المرتفعة، تجد معظمهم لم يستثمر في قطاعات إنتاجية، تنتج وتشغل البشر، لكن نشاطهم الاقتصادى، ينحصر في المضاربة على أسعار الشقق والعقارات والأراضي، يضاربون بأعلى سعر، ولديهم الأرصدة المالية التى تتحدث عن نفسها، وطبعا تخيل فارق التحويل إلى العملة المصرية.
وأنت في الخارج لا تسطيع حضرتك تحويل عملتك المصرية بسهولة، في محلات الصرافة، وإن استطعت فبثمن بخس.
وعند ارتفاع الأسعار ليهم خاصة بنزين السيارت، قاموا بعمل بطاقات لمواطنيهم الأقل دخلا، الذى يعادل تقريبا 30 ألف جنيه مصري، وطبعا يذهب إلى الجحيم العامل الأجنبى، الذي قد يكون حضرتك، وراتبك لا يتعدى 15 ألف جنيه بعملتهم. والعكس تماما في مصر، هم يشترون بنزين السيارات المدعم بعملة بلدك مثلك مثله، ويتمتعون بمعظم الخدمات والأسعار، مثل الذى تدفعه سيادتك مع الفارق الكبير للعملة.
بعفوية قالها صديق من جنسية عربية وهو إنسان بسيط وليس مستثمرا (بلدكم كنز بس محتاجة مخ) قال إنه يتملك شقة في المهندسين ، ومزرعة من أشجار التين في العامرية بالإسكندرية، ولديه قطعة أرض تزيد على ألفي متر، في مدينة بدر، اشتراها قديما بقيمة 150جنيها للمتر، ويديرها محامي مصري، ويضيف أن عائد ثروته من مصر يفوق بكثير ما يتربحه من بلده.
وبالمناسبة معظم الأجانب سعداء بالإقامة في مصر جدا ، لرخص الأسعار بالمقارنة ببلدانهم، فمثلا هو يشترى سندوتش الطعمية تقريبا بخمسة جنيها ، وأنت تشتريه بما يعادل عشرين جنيها، وطبق الكشري البسيط يشتريه بعشرة جنيهات، وسيادتك تشتريه بما يعادل 75 جنيها في الخارج، وأكاد أجزم أن معظم بسطاء المصريين العاملين بالخارج، حياتهم متواضعة تقترب من سابق معيشتهم، ولولا التنزيلات التي تعلنها سلاسل المحلات الكبرى، لساءت أوضاعهم حيث معظمهم يتقشف، كي يتمكن من تملك شقة أو إعاشة أسرته في مصر وهو كل ما يحلم به.
ليس كل ما يلمع ذهبا، حضرتك تجني من بلدانهم الأموال، لكن تدفع كل الخدمات بأسعار بلدانهم، فإيجار أقل شقة غرفة وصالة لا يقل عن 10 آلاف جنيه مصري، لذا كثير من العاملين في تلك البلدان، قرروا الوحدة وتسفير عائلاتهم إلى مصر، لجنون الأسعار التي لا تتحمل سوى أصحاب الدخول المرتفعة.
وهم يغرفون من بلدك (التي لا تعجبك)، المتع والملذات والرفاهية والأموال الكثيرة، هم سعداء ببلدك (التي تكرهها وتحلم بالهجرة منها)، هم يعرفون قيمتها، ويتقاتلون عليها، إنها دولة عظيمة وأنت لا تدرى ، يكسب منها الجميع وخيرها للجميع، وكرمها يظلل الجميع، حتى لمن يكيل لها السباب والإهانة، جرِّب تهاجر لمصر.