هل سألت نفسك يوماً “لماذا أشعر بالتعب والإرهاق من العمل بالمكتب رغم أني لا أبذل مجهوداً بدنياً سوى الكتابة بأصابعي على لوحة المفاتيح، ولا يساورني نفس الشعور إذا ذهبت ليوم إجازة على الشاطئ أو النادي أو حتى التسوق لساعات في أحد المولات؟”.
وهل سألت نفسك عن السبب وراء هذا التناقض وكيف يمكن التغلب عليه؟
في إطار دراسة عن الإرهاق الذهني، قام عالم النفس بجامعة جورج واشنطن، دانيال ليبرمان، باستعراض نظريات العمل التي تكمن وراء الإرهاق.
المجهود الذهني والبدني:
إن المخ عبارة عن عضو معقد يحوي العديد من المناطق المصممة للتعاون مع بعضها البعض. واعتماداً على نوع الوظيفة اللازمة، فإن مختلف الدوائر تخاطب بعضها بعضاً، بما يشمل أي وظائف تتراوح بين الحفر بالفأس، أو تحرير مستندات ورقية.
وفي حين أن التعب الجسماني يمكن أن يساعدنا على النوم أثناء الليل، إلا أن الإرهاق الذهني يمكن أن يؤدي إلى العكس فعلاً، مما يجعل من الصعب الاستسلام للنوم والاستغراق فيه.
ويشرح دكتور ليبرمان الأمر قائلاً: “لقد تطور عقل وجسم الإنسان لتحقيق التوازن والعمل معاً. وفي العمل المكتبي، يكون الموظفون مستقرين تماماً ولا يستخدمون إلا عقولهم، مما يتسبب في حالة عدم توازن كيميائي يجعل الإنسان أقل كفاءة في معالجة الطاقة، ويجعله مستنزفاً ومتعباً”. ويضيف أن التطور يفسر لنا الكثير مما يجعلنا نشعر بالإستنزاف والتعب في العمل.
مكاتب في الهواء الطلق:
الجلوس على مكتب طوال اليوم هو أمر سيئ في جميع الأحوال، حيث إن التركيز المكثف من ثاني أكسيد الكربون في البيئات المكتبية يتسبب في صعوبة التركيز، فضلاً عن أسباب أخرى مثل التلوث الداخلي من السجاد والمفروشات التي ينبعث منها الـ”فورمالديهايد” وغيرها من المواد الضارة، وكذلك الإضاءة الصناعية وبخاصة الفلورسنت التي تربك الجسم وتضلل الإحساس بالليل والنهار والوقت،ويشرح دكتور ليبرمان أنه عندما يتفاعل الإنسان اجتماعياً فإن المخ يعطي الأوامر لإفراز الـ”أوكسيتوسين”، وهو الهرمون الذي يعطي شعوراً جميلاً عند أداء أي عمل شاق أو صعب.
يقول دكتور ليبرمان إن الدراسات أثبتت أن المخ البشري يرهق ويستنزف عند تعدد المهام، أو عند إستهلاك طاقة المخ ذهاباً وإياباً في نفس الوقت بين أكثر من أمر مثل التبديل بين الحروف والأرقام سيؤدي إلى الشعور بالإرهاق والتعب سريعاً.
ويعطي دكتور ليبرمان نصيحة للعاملين بداخل المكاتب، الذين يصنفهم بأنهم يعملون في عالم غير واقعي، بأن يقوموا في بداية اليوم، بتحديد المهام التي يجب عليهم إنجازها، أو على الأقل يمكن تحقيق توازن بين المهام المراد تحقيقها والواقع المتاح لإتمامها حتى يشعروا بإرتياح أنهم حققوا إنجازات في نهاية اليوم مما سيقلل شعورهم بالإرهاق والتعب ،ولكن لا تنسَ، بحسب نصيحة دكتور ليبرمان، أن “تأخذ استراحة من كل هذا العمل التجريدي الذي تقوم به على الكمبيوتر وتعيش فقط في الوقت الحاضر، من أجل أن تحقق توازناً في العقل سيكون مصدر ارتياح له، وبالتالي تقلل شعورك بالإرهاق في نهاية اليوم”.