اتكأ بطل العالم في الجودو ياماشيتا على مدربه بعد ان سقط عليه تقرير الطبيب كالصاعقة فأفقده صوابه وصرخ: ما تطلبه مستحيل ولن أرضخ لطلبك ولن أنسحب من المباراة النهائية.
قال الطبيب محذرا: إن ما ستفعله يعد انتحارا ولن أسمح به، إن حالتك خطيرة، لديك قطع داخلي في رباط ركبتك، لعب المباراة يعني انتحار بمعنى الكلمة.
قال ياماشيتا: سألعب المباراة مهما كانت حالتي ولن أخذل الملايين من شعبي التي تنتظر هذا الانجاز العالمي.
قال الطبيب مناشدا: ضربة واحدة من الخصم في قدمك كفيلة بأن تنهي مسيرتك الرياضية خاصة وأنك ستلاقي لاعبا قويا.
قال ياماشيتا: خصمي بطل قوي ولكن سأقاتل بشرف حتى آخر نفس؛ فبلدي تستحق أن أضحي من أجلها.
نظر الطبيب إلى المدرب يائسا وقال: ها هو تقريري ولكم حرية اتخاذ القرار.
ولم تنجح محاولات الطبيب ولا المدرب في إثناء بطل العالم عن رغبته أمام عناده وإصراره الشديدين.
ارتدى اللاعب بذلة اللعب وأحكم ربط حزامها واتجه لبساط المباراة لكنه لم يستطع أن يمنع تسرب الأخبار إلى منافسه رشوان، ها هي الميدالية الذهبية التي كان يتطلع إليها رشوان ستزف إليه وسترتمي في أحضانه بأقل مجهود، فقط ضربة واحدة في موضع الإصابة تنهي المباراة ويتوج بعدها بطلا للعالم ويسقط خصمه عن عرش اللعبة للأبد، خصمه منهك وإصابته خطيرة، هل يستغل نقطة ضعف خصمه ويلعب على قدمه المصابة؟
ومن هو خصمه، إنه بطل العالم الأسطورة ياماشيتا الذي كان يتطلع للعب معه وكان بالنسبة له المثل والقدوة على حد قوله.
اقترب بطل اليابان من البساط بخطوات عرجاء وبدأت المباراة العصيبة، التحم البطلان وتوقع اليابانيون قبل المصريين أن تحسم المباراة بفوز رشوان في الثواني الأولى من المباراة، تجنب رشوان لمس القدم المصابة فلا دينه ولا أخلاقه يحثانه على استغلال إصابه خصمه ليحقق هدفه وكانت قوته تكمن في القدم اليمنى وكانت مواجهة لقدم ياماشيتا المصابة فرفض أن يلعب بها حتى لا تصطدم بإصابة بطل اليابان واستخدم القدم اليسرى لكن ياماشيتا لم يمهله وانتهت المباراة بفوز البطل الياباني بذهبية أولمبياد لوس انجلوس عام ١٩٨٤. لم يصدق الخصم ولا اليابانيون ما حدث فوقفوا احتراما لابن مصر النبيل الذي ضرب أروع الأمثلة في النبل وارتفع هتافهم وتصفيقهم للبطل الإنسان رشوان في سابقة فريدة من نوعها وارتفع علم مصر خفاقا ترنو إليه نظرات التبجيل والإكبار وللبطل الذي هز مشاعر شعوب العالم أجمع بأخلاقه النبيلة فالرياضة أخلاق ومنافسة شريفة.
وبعد المباراة سئل ياماشيتا فأجاب: نعم فعل رشوان ذلك الموقف النبيل وأكمله بمساعدتي في الصعود لمنصة التتويج.
وانهال التكريم على ابن مصر البار من كافة أنحاء العالم فمنحته منظمة اليونسكو ميدالية الروح الرياضية كما منح جائزة اللعب النظيف عام ١٩٨٥ ومنحته اللجنة الاوليمبية الدولية للعدل جائزة أحسن خلق رياضي في العالم ونال الكثير من الجوائز والأوسمة واستقبله عشرات الآلاف من اليابانيين بطوكيو غداة تكريمه باليابان وعهدوا له بتدريب فريق الجودو وسطروا قصته لتدرس لطلاب المرحلة الاعدادية لتبقى خالدة عبر السنين. وبعد مرور ٣٥ عاما تم تكريم رشوان بالسفارة اليابانية بمصر فمنحه السفير وسام الشمس المشرقة بحضور وزير الشباب والرياضة د. أشرف صبحي الذي اعرب عن أمله في زيادة تعزيز العلاقات الثنائية بين اليابان ومصر من خلال دورة الألعاب الأوليمبية والبارالمبية المقرر إقامتها بطوكيو العام القادم.
واستقبل البطل رسالة من ياماشيتا أعرب فيها عن سعادته بهذا التتويج معتزا بصداقته معه كأحد عظماء الجودو مرحبا بالفرق المصرية بصفته رئيس اللجنة الأوليمبية واستقبل رشوان رسالة صوتية أخرى من عمدة طوكيو تهنئه فيها باللغة العربية.
كم من ميدالية ذهبية طواها النسيان ولكن موقف محمد رشوان ظل عالقا في الأذهان وصار مثالا لأخلاق النبلاء على مر الزمان، فتحية لمن حاز وسام الشمس المشرقة .. ابن مصر الشامخة.
Naserfatah@hotmail.com