رئيس مجلس الادارة : إيهاب مباشر

رئيس التحرير : حنان الشايب

إيهاب مباشر يكتب .. «رفقا، ثم رفقا، ثم رفقا بهم»

عندما أصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قانون «حماية القيم من العيب» الشهير «بقانون العيب»، في يناير ١٩٨٠، كان يهدف إلى معاقبة كل من يحاول التغرير بالشباب، أو يحاول انتقاد سياسة الدولة، وهي نفس التهمة التي أعدم بها سقراط في اليونان في القرن الرابع الميلادي.
وينص قانون العيب في مادته الرئيسية على أن «كل من ارتكب ما ينطوي على إنكار الشرائع السماوية أو ما يتنافي مع أحكامها، إما بتحريض النشء والشباب على الانحراف عن طريق الدعوة إلى التحلل من القيم الدينية والأخلاقية أو عدم الولاء للوطن، يتعرض للعقوبة».
وقتها عارضه كتاب صحفيون وسياسيون كثر، لدرجة أن أحدهم صرح بأنه كارثة صريحة، وأدرجته المعارضة في البرلمان تحت مسمى «قوانين سيئة السمعة»، وقد كان لمعارضتهم إصدار هذا القانون الحق، لأنه كان الهدف منه سياسيا بحتا؛ فهم اعتبروه بدعة للمساءلة السياسية، وقد ألغي هذا القانون مع إلغاء المدعي العام الاشتراكي في التعديلات الدستورية لعام ٢٠٠٧.
الآن – وبعيدا عن السياسة وبعد أن نفرغ «قانون العيب»، من هدفه ومضمونه السياسي – ألا يحق لنا أن ننادي بتطبيقه حفاظا على المنظومة القيمية والأخلاقية لمجتمعنا، والتي أراها على المحك.
أسوق هذا الكلام، بهذه المقدمة، ونحن نعيش أزمة أخلاقية طاحنة تشهد عليها شوارعنا، التي تخلى أكثر من بها عن أبسط قواعد وأصول التعامل الإنساني والرحمة بين البشر.
وحتى أقرب القضية دعوني أستدعي تصرفات – غير محسوبة من الكثير كبار وصغار اتجاه بعض كبار السن وصغاره، عندما تظهر عليهم بعض بوادر أزمة نفسية يعيشها، ولم تسعفه قدراته النفسية أو الجسمانية والعصبية لكبح جماحها، وسيطرته عليها قبل أن تفضحه ملامح وجهه.
وللتقريب أكثر، فما أقصده هو ظاهرة التنمر، التي أراها تمارس على أناس طبيعيين جدا، ولكن لظروف يمر بها هؤلاء، ولأنهم غلابة بالمعنى الشامل للكلمة، تجبرنا عليهم، وزدناهم غلبا على غلبهم.
وحتى لا ندور في حلقة مفرغة، دعوني أناشد كل أب أن يمارس دوره التربوي الموكل به، في توعية أبنائه بشكل كاف يردعهم ويقوم سلوكهم المشين اتجاه الغير، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
وإنني إذ أرى الدور الأكبر الغائب يقع على أئمة المساجد، لمحاربة هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا، ومناشدة الأهل والأبناء بطريقة بسيطة، بعيدا عن اللغة المعقدة التي يتناولون بها القضايا الأخلاقية التي تمس المجتمع.
وليستغل أئمة المساجد قربهم من مرتادي المساجد، وهم يكادون يعرفونهم بالاسم، في أن يوعوهم بعواقب التنمر – الذي يمارسونه هم وأبناؤهم – على الأفراد والأسر والمجتمعات، خصوصا وأننا نرى أناسا ممن تمارس معهم وضدهم ظاهرة التنمر، هم أناس محترمون جدا، وبعضهم على درجة من العلم والثقافة، بما يفوق ثقافة وعلم هؤلاء الأبناء الذين دمروا المنظومة الأخلاقية، وبما يفوق ثقافة وعلم آبائهم.
وإذ أنني أختم مناشدتي بأن ما أكثر القوانين في بلادنا، ولكن العبرة في التطبيق، ولذلك وجب علينا أن نجعل من أنفسنا حراسا على تطبيق هذه القوانين، التي تحفظ للمجتمع هيبته، وللناس وقارهم واحترامهم وتقديرهم، فليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.
لاحظوا أنني كررت مناشدتي وطلبي بالرفق بهؤلاء أكثر من مرة، ولو أنني أرى أن الموضوع هين والظاهرة لم تستفحل، لاكتفيت بمرة واحدة فقط وعنوت مقالي بـ«رفقا بهم»، ولكن لعظم وفداحة ما أراه ويراه غيري أقول دون ملل «رفقا، ثم رفقا، ثم رفقا بهم».

2024/04/25 5:19م تعليق 0 22

ذات صلة

إيهاب مباشر يكتب .. شاهد من أهلها «...

    عن العلاقات العمانية الإماراتية أتحدث « الرزق يبحث عنك ولا تبحث عنه »، مقولة سمعتها من فضيلة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي ـ رحمه الله تعالى ونفع بعلمه المسلمين ـ وقد كانت لي تجربة تؤكد على هذه المقولة قبل أن...

إيهاب مباشر يكتب “درء الأتراح مقدم على جلب...

    تتزاحم لدي المقدمات، فتصيبني حيرة كبيرة وشتات تصعب معهما العودة إلى بداية ترضيني، ولا سبيل أمامي إلا الاستسلام لأقربها إلى الولوج إلى مبتغاي، حيث كلها يفضي إلى المبتغى. ولتسمحوا لي أن أقدم مواساتي لكل إنسان فقد أمه، طفلا كان أو...

إيهاب مباشر يكتب «إذن هي القوة الغاشمة»

بالأمس ودعنا شهداءنا، واليوم نودعهم، وغدا سنودع المزيد منهم، طالما بقي أهل الشر بين ظهرانينا، يعيشون بيننا، يأكلون خير أرض جادت به علينا جميعا، ويشربون ماء يحمل الطهر والرواء للجميع، فلم تبخل الأرض بخيرها عنهم، ولم توقف السماء ماء...

إيهاب مباشر يكتب “هيبة الدولة وكرامة المعلم”

لا يختلف منصفان على أحقية المعلم في حياة كريمة، أسوة بكثير من المهن التي اصطفت لها الدولة شرائح بعينها من مواطنيها، وإن قدر لنا أن نصل إلى غاية الإنصاف، سنجد أن المعلم له أحقية مطلقة في حياة كريمة تفوق...

إيهاب مباشر يكتب «زعماء فوق العادة»

  بادئ ذي بدء، أقدم تهنئتي لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ وللشعب العماني الأصيل المضياف، بمناسبة الاحتفالات النوفمبرية، العيد الوطني الواحد والخمسين المجيد، داعيا الله أن يديم على جلالة السلطان موفور الصحة والعافية...

إيهاب مباشر يكتب «وعود انتخابية»

  كما أنه لكل زمان دولة ورجال، فلكل حادث حديث، ولغة خطاب الأمس لن تجدي نفعا اليوم، وما مر من أحداث لاعتبارات كثيرة لا داعي لذكرها، لا يمكن أن يمر اليوم، فليس من الحنكة أن أقيس اليوم حدثا بمثيل له...

جميع الحقوق محفوظة © 2024 القاهرة اليوم نيوز