منذ نحو 32 عامًا، تفاجأ والد وليد بشكار، بدرجاته السيئة وفشله في تحصيل المواد الدراسية التي يأخذها بالصف الأول الإعدادي، ما دفعه إلى التفكير في أمر ابنه هل من الأفضل أن يستمر في تعليمه أم يلحقه بأي ورشة حرفية يتعلم فيها صنعة يتقنها وتكون مهنته الأساسية حين يكبر، ليحسم الأب الأمر في النهاية ويرسل طفله إلى ورشة صديقه صفوت لكي يعلمه أسس صناعة الآلات الموسيقية.
ذهب وليد إلى الورشة القريبة من منزله بالدرب الأحمر والتي كانت متخصصة في صناعة عدد من الآلات الموسيقية “الربابة، السمسية، والعود”، حيث كان لا يعرف ما سيفعله خاصة أن هذه الآلات لم يشاهدها بعينه سوى في التليفزيون، فالأمر كان غريبا في البداية، خاصة أنه يتعلق بآلة موسيقية، ولكن سرعان ما أزيل هذا الغموض والخوف بعد أن عرف أن صناعة هذه الآلات لا تحتاج إلى دراسة الموسيقى وإنما تحتاج إلى تعلم خطوات ودقة متناهية.
وخلال التعلم، أثرته طريقة صنع العود وتشكيله عن بقية الآلات الأخرى، لأنها صناعة يدوية 100 % لا تعتمد على أي آلة، ومن وقتها أصبح العود صديقه الثاني في رحلته بالحياة.
تعلم وليد صناعة الآلة التي تعد من أشهر آلات التخت الشرقي، وانتقل من ورشة لأخرى لكي يكتسب خبرة جديدة، ليفهم “سر الصنعة على أصولها” كما يقول في ورشة موريس شحاتة الشهيرة بصناعة العود، والذي علّمه أسسها بداية من معرفة جودة الأخشاب المستخدمة، وحتى ضبط الأوتار والريش، وتركيب القصعة والوجه، ليحترف بعدها الصناعة، ويفتح ورشة خاصة به منذ 6 سنوات.
“كل صناعة وتحتاج إلى وقت والفرق بين الشغل الجيد والسيئ ثوانِ” جملة علقت في ذهن وليد، البالغ من العمر 44 عامًا، بعدما قالها أحد زبائنه، خلال إشادته بحرفيته في صناعة العود، ليحرص بعدها على أن يظل محافظا على إتقان صناعته للآلة حتى وإن أخذ وقتا طويلًا فيها، فالعود الواحد يستغرق في يديه من أسبوع لأسبوعين حتى ينتهى تمامًا إذا كان مخصصا لشخص بعينه أما الأعواد التجارية التي تستخدم للتدريب فيستغرق عملها من 3 إلى 4 أيام.
أنواع الخشب المستخدمة فى تصنيع العود كثيرة، حسبما قال وليد، فهناك خشب الأبانوس والورد، والصاج والكيرلي ميبل والسيسم الهندي، والفرق بين عود وآخر يكون في جودة الخشب، لافتا إلى أن الصاج البرازيلي مطلوب جدا بين الموسيقيين لأنه يؤثر بدرجة عالية على صوت العود ويعطيه صوتًا مميزًا، ولكن المشكلة التي تقف أمامه أنه ممنوع قطع هذه الأشجار لأنها ناردة، ما يجعله يعوض ذلك بخشب عين الكتكوت والكيرلي ميبل التي يتم استيراده من ألمانيا ويتكلف شرائه أموالًا كثيرة.
وعن أصعب مراحل تصنيع العود، يشير وليد، إلى أن صناعة القصعة أو ظهر العود من أصعب المراحل لأنها تأخذ وقتًا طويلًا، ففيها انحناءات وريش خشبية تتطلب دقة وصبر، لذلك تحتفظ الصناعة برونقها حتى الآن، برغم قلة حرفييها، فلا يستطيع أحد من الدول الغربية أن ينافس الحرفيين في إنتاج الأعواد، لأنها صناعة يدوية، كما أن الكثير من فناني وعازفي الدول العربية يحبون أن يكون لهم عود خاص بهم، وهذا ما يعرفه الصانع وحده.
لم يستسلم وليد لنصائح البعض بترك مهنته، والعمل في حرفة أخرى، لما يروه من حرمانية في صناعة آلات موسيقية، فرده يسبق كلامهم على الفور “ده وش السعد عليّ”، حيث يتعامل مع دول عربية كثيرة ما جعل اسمه مشهورًا في المنطقة.
