رئيس مجلس الادارة : إيهاب مباشر

رئيس التحرير : حنان الشايب

إيهاب مباشر يكتب «حدائق الإنسان وحرائق الشيطان»

 

 

 

منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت واقعا معقدا مفروضا – شئنا أم أبينا – لكن ما لا أستطيع تصوره، أنك تنجذب لمحتوى مرئي محترم فتتابعه، ثم تفاجأ أنه – ودون رغبة أو انتباه منك – يتبعه محتوى لا يَمُت للأخلاق بصلة، فتسرع في الانتقال بعيدا عن (البلوة) التي حُدِفَت عليك، وفي ذات الوقت نجد عددا لا بأس به قد أصابه الاضطراب من هول المفاجأة، فارتعدت أنامله؛ فما كان منه إلا أن شارك بهذه الرذيلة متابعيه وأصدقاءه، و(حِلَّانِي) لما حد يصدق أنه شير بالخطأ، وقد احتاج إلى شهور عدة، يتوارى فيها عن (المَدعُوق الفيس)، إلى أن يطمئن أن العيون والقلوب والأفئدة والعقول نسيته، وأصبح في مأمن من نظرة الريبة التي سكنت عيون أصدقائه، وظن بالخطأ أنه مر بفترة زمنية كفيلة بعمل غسيل سمعة له ولأخلاقه، لكن هيهات هيهات أن يُغْسَلَا.
القضية أيها الأصدقاء، أنه بقدر ما هو موجود من منصات الحكمة والخير والعقل، هناك على الجانب الآخر ما يفوقها من منصات الحماقة والرذيلة والجنوح والجنون، وهذا بفعل متغيرات طرأت على مجتمعاتنا جراء الموجات التي صدرها لنا الغرب، لكن ما صنعته أيدينا، قد فاق كل مستورد.
والحق يقال إن كمية الإغراءات في كل الأحوال، تستعصِي على مجابهتها، وتصب في خانة مجاراتها، خصوصا وأن بعض الأسر نَحَّى أخلاق أبنائها جانبا، لعدم التفرغ؛ فكانت النتيجة تغيرا في الشكل والمضمون، بما ساعد على تدمير المجتمع.
وسواء أطلق على هؤلاء لقب (يُوتيوبرز) أو (بلُوجرز)، وهي مجرد مسميات، فالنتيجة – مع تتبع مسالك ومجاهل الشياطين – واحدة، وليت الأمر يقتصر على الشخص الذي حاد عن جادة الصواب وحده، لكن الأمر يتسع لدرجة تشمل معظم متابعيه والمهووسين به، لدرجة يصعب عندها التراجع، وَلِمَ التراجع وقد أصبح اليوتيوبر أو البلوجر، نجما لامعا، له مريدوه ومتابعوه، هذا عدا الآلاف والملايين التي يتحصل عليها جراء نسب المشاهدات ومن ثم الإعلانات، ألم أقل لكم إن المغريات شديدة، حد عدم القدرة على المقاومة.
الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام التي كان الكل يستقي الأخبار منها، أصبحت أسيرة هذه المنصات، إلى الحد الذي يجعلها تستقي أخبارها منها، في زمن معكوس في كل شيء، والأدهى والأمر من هذا الأَسْرِ الذي كان يقتصر على استقاء الأخبار، نجد وسائل الإعلام التقليدية تستعين بهؤلاء (اليوتيوبرز) و(البلوجرز) بعد أن عَدَّلُوا مسماهم إلى (صانعي المحتوى) ثم (المؤثرين) لدرجة جعلت المؤسسات الإعلامية الكبيرة تستعين بهم، على أساس أنهم أصبحوا (ذائعي الصيت) على منصات التواصل، هذه الاستعانة تمثلت في زيادة أرقام المشاهدات والمتابعات لمنصات تلك المؤسسات الإعلامية، على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو من المضحكات المبكيات، وما حدث من نقلة كبيرة طرأت على منصة إعلامية معروفة، بعدما انتقل إليها أحد صناع المحتوى الشهيرين (المؤثرين) على مواقع التواصل الاجتماعي، أقرب دليل على ذلك، إذ ارتفع عدد متابعيها على قناة اليوتيوب من الآلاف إلى ملايين المتابعين.
وفي مثل هذه الأيام ومع بداية كل عام، نجد الفضائيات تستضيف قارئي توقعات الأبراج، في مسرحية هزلية، فتتلقى اتصالات من المهووسين بهم، وقد كان معظمهم مأجورا من القادة والسياسيين، لتوجيه الرأي العام لهم، بعد أن يلمحوا إلى أن النجوم تستعصي على السير في دروب خصومهم.
نفس ما يحدث من (قارئي الكفوف والأبراج) يحدث الآن مع (صانعي القرار)، (المؤثرين)، أصحاب منصات التواصل الاجتماعي الإعلامية، حينما تحتاج مؤسسة أو هيئة سياسية أو اقتصادية إلى الترويج لمنتجها؛ فتستدعي أحدهم أو كلهم، على أساس أنهم يوجهون الرأي العام – على خلاف مستوياته المحلية أو الإقليمية أو حتى العالمية – إلى تبني توجه سياسي معين، أو الترويج لأحد منتجاتها، سواء استحق أم لم يستحق، فالوصول إلى أعلى مستويات الترويج، مرهون بقوة وعدد ومدى جاهزية متابعي ومريدي النجم (اليوتيوبر)، حضرة (صانع القرار – المؤثر).
هذا عدا اللجان والكتائب الإلكترونية التي تتقاضى أجورا مقابل التأييد أو الرفض، أيا كان المتفق عليه، فهذه كارثة أخرى من كوارث منصات التواصل الاجتماعي.
وعود على بدء، إلى حضرات (اليوتيوبريين) -الذين أصبحوا ذوي نفوذ على كل المستويات الشعبية والرسمية، المحلية منها والإقليمية وحتى الدولية – إنني أناشدكم بأن المجتمع يحتاج منكم إلى إطلاق مبادرات خلَّاقة تخدمه وتساعده على النهوض والتطور، تتضمن قصص نجاح ملهمة، من صناع تغيير إيجابي، حيث إن غالبية ما يقدم من محتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها ليس هادفاً أو فلنقل خارجا على الأخلاق؛ لأن جل أو معظم الشخصيات التي ساقها قدرها، أو ذهبت طواعية إليه، تبحث عما يثير فضول الناس ويلفت انتباههم، من دون النظر إلى هدف وحجم تأثير المحتوى على المجتمع، بينما لا يزال البعض يحتفظ بقدر من المبادئ والمسؤولية تجاه مجتمعه فيما يطرح من آراء وأفكار.
ولا ننسى أننا تحكمنا عادات وقيم ومبادئ مجتمعية، وبدل أن نرتقي بأفكارنا ونلوذ بحدائق الإنسان، سنفاجأ بأننا ماضون ومجرورن إلى حرائق الشيطان.

2022/01/05 3:59ص تعليق 0 455

ذات صلة

إيهاب مباشر يكتب .. «رفقا، ثم رفقا، ثم...

عندما أصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قانون «حماية القيم من العيب» الشهير «بقانون العيب»، في يناير ١٩٨٠، كان يهدف إلى معاقبة كل من يحاول التغرير بالشباب، أو يحاول انتقاد سياسة الدولة، وهي نفس التهمة التي أعدم بها سقراط...

إيهاب مباشر يكتب «مشروع حضاري عملاق»

    في مناقشاتنا ومناظراتنا وتحليلاتنا لأي قضية أو مشروع فكري أو تنموي، تتعدد اتجاهاتنا وطرق معالجتنا لها، تبعا لتباين خلفياتنا المسبقة عنها، فمنا من يدلي دلوه على أساس أنه (سمع ورأى)، ومنا من (سمع فقط)، ومنا من (لم يسمع ولم...

إيهاب مباشر يكتب «الرهان لا يزال قائما»

    رغم مرور ما يقارب الخمسين عاما، إلا أن الرهان لا يزال قائما بين إبهامي والسُبابة والوسطى وأول قلم رصاص لمسته بصماتهم. القضية رغم أنها عاشت معي حوالي نصف قرن من الزمان، إلا أن ما استدعاها بملامحها وتفاصيلها الآن، مشاهدتي لفيلم...

إيهاب مباشر يكتب “مَنْ أَمِنَ عِقَابَهُ سَاءَ أَدَبُهُ”

  لخص رامز جلال ـ شبيه هيكتور كوبر ـ في أحد البرامج التي تدل على مدى الانحطاط الأخلاقي، والبعد عن كل ما اتفق عليه ـ أصحاء البشر من ذوي النفوس البشرية السليمة ـ الانحطاط الذي أصاب مجتمعنا الذي كان ـ...

إيهاب مباشر يكتب #تمشيها جمايل_ولا تعدل المايل_ولا تهد...

    من حوالي ٢٠ سنة تقريبا، وفي مبنى جريدة الجمهورية القديم، كان هناك صديق خلوق، وأحسب كل من صادقتهم وزاملتهم في الفترة التي عملت فيها بجريدة الجمهورية وما بعدها، أحسبهم على خير، فما زالوا أصدقاء وتربطني بهم أواصر الأخوة والمحبة...

إيهاب مباشر يكتب .. المترشحون يرفعون شعار «أنا...

          عندما انحصر دور مجلس الشيوخ في إبداء الرأي بالاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ومشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي...

جميع الحقوق محفوظة © 2024 القاهرة اليوم نيوز