لا أعلم سببا واضحا لتوقفي عن الكتابة لشهور مضت، باستثناء سبب أراه مقنعا – لي على الأقل – وهو الحالة المزاجية السيئة الخاصة، التي لا تنفصل عن عموم ما يتلبس أفكارنا ويجثم على صدورنا ويكبل خطواتنا جميعا، من مزاج سيئ، قاوم فينا إصرارنا على المضي قدما إلى ما نتطلع إليه، وقاومنا فيه إصراره على عرقلة خطواتنا، والدليل أنني عندما أتصفح مفكرتي على الهاتف أفاجأ بكم كبير من العناوين لأفكار مقالات تلح علي، وحتى لا أفقدها من فرط أهميتها، دونتها في المفكرة وما أكثر هذه العناوين.
وبناء على مقولة لحكماء – كان لنا حظ جميل حين عاصرناهم – هذه المقولة أو الحكمة تقول «كل ما له بداية ونهاية فهو قصير»، فإنه مهما طال التوقف، وبمجرد أن تبدأ، سيتلاشى عامل الزمن ويتبخر هذا الإحساس المُعَجِّز، وَتَجُبُّه رغبة ملحة في إكمال المسيرة والمسير.
وبناء على أن لكل شيء مسبباته، فقد صاحب الرغبة في العودة إلى الكتابة تصفح بعض المواقع التي كنت أرتادها، قلبت قليلا، ولم أذهب بعيدا، وأخذني المؤشر وأصابعي إلى الشارقة.
يا الله .. يا الله .. يا الله، ما أجمل هذه الإمارة، وما أحنها، وأخفها، وألطفها، وأسكنها، وأرقها، وأرقاها، وأهداها، وأغناها، وأثراها، وأسماها، وأزهرها، وما .. وما .. وما .. إلى ما لا نهاية.
أنا الآن أسمعك يا من تعلق: أيعقل أن يصف أحد مكانا لم ينشأ فيه بعيدا عن بلده بكل هذه الأوصاف التي أعتقد أنه مبالغ فيها، لمجرد زيارة أو إثنتين أو ربما عشر زيارات؟
وبدلا من أن أجيبك أنا سأحيلك إلى فنان تونسي معروف لجيلنا ولأجيال سابقة وتالية وهو لطفي بو شناق حينما غنى «لامونى إللي غاروا مني .. وقالولى إش عجبك فيها .. جاوبت إللي جهلوا فني .. خذوا عيني شوفوا بيها».
لا يزال قارئي يعلق فأسمعه: وبعد أن سمعت تعليقنا فهل من مبرر لما تقول؟
نعم، ولكن عزيزي القارئ هل لديك متسع من الوقت لتسمع حكايتي معها؟
أسمعك تعلق: هي حكاية عشق إذن؟
نعم، وإن لم يخنك التعبير، أو تتندر، هي كما تقول: حكاية عشق، بل والله أكثر، وزد على ذلك.
دعني أسرد لك حكايتي معها ..
حوالي عام ٢٠٠٤ أو ٢٠٠٥ لا أعلم أيهما بالتحديد، أثناء تواجدي في سلطنة عمان، وعملي بجريدة الوطن العمانية، اضطررت إلى النزول في إجازة لمصر، فلم أجد في هذا اليوم حجزا مباشرا للقاهرة، ووجدت حجزا على طيران العربية يتوقف ترانزيت في الشارقة، وتفاجأت بأن ساعات الترانزيت من الساعة ١٢ ظهرا إلى صباح اليوم التالي، نزلت مطار الشارقة، وخرجت إلى الإمارة أبحث عن مكان للإقامة فيه هذه الليلة، خرجت من المطار وأخدت تاكسي أجرة فوصلني لإحدى الشقق الفندقية، ارتحت قليلا، ثم اتصلت بأحد الأصدقاء، وتقابلنا على أمل أن نتجول في الشارقة لساعة أو ساعتين، لكن حدث ما لم أتوقعه، ظللت أنا وصديقي نقطع شوارع وأسواق ومحلات ومولات الشارقة ومقاهيها إلى حوالي الثالثة صباحا، دون ملل أو تعب، لدرجة أنني عدت إلى السكن وظللت مستيقظا دون نوم أتجاذب أطراف الحديث مع موظف الاستقبال وأظنه كان من المنصورة، وعندما حانت السادسة صباحا، أخذت حقيبتي وغادرت إلى المطار.
الغربب في الأمر أن أي شخص عائد لبلده من السفر، لا يحب أن يقضي وقتا طويلا في سفره، فتراه يريد أن يطوي ساعات السفر وكأنها دقائق، لكن أن يشعر إنسان بألفة بينه وبين مكان يراه لأول مرة بهذا الشكل، ويشعر وهو يتركه عائدا إلى بلده بحنين وشوق كبيرين قبل أن يتركه وبأنه سيتغرب عنه، فهذا شيء لا يصدقه عقل، ولابد للبحث في أسبابه.
إذن لابد من عودة ولقاء آخر لبحث هذا الموضوع والإجابة عن تساؤلاتي بشأنه، وتشاء الظروف أن تكون لي عودة مع الشارقة في مهمة عمل للجريدة من سلطنة عمان، فذهبت باحثا عن إجابة لتساؤلي: ما السر وراء هذا الارتباط الكبير وكمية المشاعر التي تربطني بالشارقة، ذهبت فوجدت إجابة لكل تساؤلاتي.
.. يتبع