رئيس مجلس الادارة : إيهاب مباشر

رئيس التحرير : حنان الشايب

بهاء الصالحي يكتب «مئوية دستور ١٩٢٣»

 

 

تعد الأبحاث الخاصة بتاريخ الدساتير امرا ملتبسا من خلال تعدد الزوايا، فالبعض يري الأمر من خلال مسألة الهوية وأن الدستور هذا مؤشر لنمط الحياة الاجتماعية التي سادت وقت صدوره، حيث يعكس البعدين العقلي والاجتماعي للجنة الخمسين، تلك اللجنة التي صاغت ذلك الدستور الذي عانى آفات السلطة المصرية عبر تاريخها، علاوة علي خلل هيكلي وهو الاحتلال الذي افقد الارادة الوطنية القدرة علي الانفاذ لتلك المواد التي يفخر بها الدستور.

والرؤية الأخري متعلقة بتطور القوانين من حيث دستوريتها وكذلك طبيعة القدرات المتاحة للسلطان الثلاث وتأثير ذلك علي شكل الدولة، وهي زاوية تتعلق بتاريخ القانون العام، أما تطبيقات ذلك من خلال المذكرات التفسيرية وفتاوي مجلس الدولة فذلك امر متعلق بفئة معينة وهي فئة القضاء الواقف.

ولكننا هنا نتناول من باب علم الاجتماع القانوني والذي يتعلق بالتأثيرات الاجتماعية لتطبيق القانون وعلاقة ذلك بالبناء الاقتصادي وتوزيع القوي الاجتماعية، ومن هنا نحن نرصد مفهوم الدين وعلاقته بالقيم من خلال الرؤية المجتمعية وذلك تأسيسا علي لغة الصياغة التي تعكس مجموعة من الدلالات تحت بند فلسفة اللغة، حيث إن اللغة في النهاية معادل موضوعي للخبرة المجتمعية.

ونحن هنا نتحدث عن المادة الثانية عشر من دستور ٢٣  التي تعكس مساحة التعدد والاتفاق في نفس الوقت علي المشترك الأخلاقي وتجذر التعدد الديني داخل المجتمع المصري بحكم طبيعة التسامح التي خلقها وجود النيل كشريان حياة لمصر اقتضي التعاون لمواجهة الأخطار الوجودية، مع عظم المردود الانتاجي الذي وقي ذلك المجتمع المصري؛ مما جعل مصر تتجنب الحروب الأهلية بسبب المعتقد عبر تاريخها.

ومع استقصاء الواقع الاجتماعي لمصر وقت إصدار ذلك الدستور، نجد أن اليهود كانت لهم تأثيرات كبيرة عبي الواقع فكان قطاع كبير من الاقتصاد المصري بأيديهم علاوة علي استيعاب قدر كبير من العمالة، علاوة علي تمتعهم بأخلاق عمل جيدة، وكذلك البعد المسيحي بحكم التاريخ حيث اثبتت الدراسات الانثروبولوجية ان ٩٤% من مسلمي مصر جذورهم مسيحية، ومن هنا جاء النص بخصوص هوية المجتمع المصري أنه قادر  علي تجميع الأبعاد الثلاثة في إطار مرجعي وهي الحرية، وهنا الصياغة مطلقة لا تفتح بابا للاستثناء يؤدي للتلاعب بواقع المشترك الأخلاقي (حرية الاعتقاد مطلقة).

وتكتمل المادة ١٣ من نفس الدستور (تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للقواعد المرعية في الديار المصرية علي ألا يخل ذلك بالنظام العام ولاينافي الآداب).

الصياغة هنا لها مدلولان رئيسان، أولهما الاعتراف بالعرف كسلطة اعتبارية وهو امر مرتبط بالصحة النفسية وقدرة ذلك المجتمع علي رأب مناطق الصدع، والدليل الأبرز علي ذلك وجود المؤتمر القبطي في أسيوط ١٩١١ ، وبعد ذلك عقد المؤتمر الوطني الأول الذي دحض الدفوعات التي سبقت خلال المؤتمر القبطي، ويكفي وجود شخص متميز خلق ذلك التوافق الإنساني والعقلي لذلك الربط الموضوعي الموروث حيث كان مكرم عبيد وغيره كثرا ولكن الاضواء التي سلطت علي مكرم بحكم انتسابه لحزب الوفد وخلافه مع النحاس باشا.

ولعل ذلك الإطار هو الذي افرز المادة ١٤ من نفس الدستور وهي المادة التي استند إليها رئيس النيابة المثقف محمد نور وهو الذي برأ طه حسين من تهمة اهانة الاديان بعد كتابه في الشعر الجاهلي وكذلك الموقف من محمود ابوريه الذي مارس المنهج العلمي في نقد الرواية الحديثية في نقده لبعض روايات ابي هريرة.

هنا الظهير الاجتماعي للدستور من خلال دقة الصياغة (حرية الرأي مكفولة، ولكل انسان الإعراب عن فكره بالقول او الكتابة او التصوير او بغير ذلك في حدود القانون).

هنا وعي الصائغ القانوني من خلال كلمة او بغير ذلك تأسيا بالنص القرآني “ويخلق مالا تعلمون” وتأسيسا علي البند الفقهي الأصل الاتاحة والحرية، ومن هنا انتفت قضايا الحسبة والتصارع الفكري في ظل ذلك الدستور ، خاصة مع ضعف تأثير الإسلام السياسي مع معادلة تواجده بقوي اخري مثل الوفد وغيره، اما التنامي لقوي الإسلام السياسي أدي للإحلال خاصة مع التغيرات الهيكلية القسرية من قبل الدولة دونما مراعاة البعد الاجتماعي ، وهو امر سيتبع مع مناقشة المادة ٢ من دساتير ٥٦، ٧١،٢٠١٤.

 

 

2023/05/21 11:39ص تعليق 0 323

ذات صلة

بهاء الصالحي يكتب «صناعة البطل 1 ـ 5»

      كيف يصنع البطل النمط   كيف تتعشق أبصارنا أنماط الأبطال وهو مأزق إنساني؛ لأن البطل المحبوب بسلوكه يخلق حدود المتاح في السلوك اليومي، وبالتالي تتفرع عدة اسئلة: من يصنع دراما صناعة البطل؟ لأن البطل المطلوب صورة معينة تلغي وتدين أنماطا أخري...

بهاء الصالحي يكتب «نيِّرة أيقونة السقوط ١-٣»

    جاء مقتل الطالبة نيرة، تلك الفتاة التي سفك دمها ذكر انتصر لكرامته، بعد أن رفضته فتاة جميلة، وهما في مرحلة جامعية واحدة، ولكن هناك عدة ملاحظات جاءت من سياق عرض الحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم التركيز علي...

بهاء الصالحي يكتب «نيِّرة أيقونة السقوط ٢-٣»

    الإعلام الاستهلاكي   جاء الاعلام المصري من خلال الدراما التي قدمت السلوك غير المباح في صورة متناهية ومتدرجة منذ بداية السبعينيات، حيث تم تقديم عدة موجات أولاها سينما المقاولات، كاستمرار لموجة الهبوط المصاحبة لتلك الافلام التي صنعت في بيروت في فترة...

بهاء الصالحي يكتب «صناعة البطل ٢-٥»

    مرحلة الاتصال المباشر   جاءت مرحلة الاتصال المباشر كوسيلة اقناعية نابعة من تركيبة المجتمع المصري، حيث شهدت تلك المرحلة سيطرة مفهوم العائلة بتراثها وتراتب أدوارها، حيث تكون القيم واحدة وتحكم كل المستويات بشكل طولي، حيث يصبح الموروث حاكما للجميع، وذلك بحكم...

بهاء الصالحي يكتب «تغيرات الرأي العام ولعنة الهلباوي»

    يمثل المحامي فريد الديب حالة خاصة مع إعلانه أن الرأي العام لا يهمه، وأنه يتعامل مع قضية عبارة عن أوراق ومستندات دونما اعتبار لموضوع آخر، وهو في هذه الحالة يعيد إنتاج حالة ابراهيم الهلباوي الذي مثل الادعاء في قضية...

بهاء الصالحي يكتب « محمد رجب .. ماذا...

    الشعر الغنائي اختراع مصري بامتياز، حيث جاء عشق الحياة ممزوجا بماء النيل بطعمه الذي يلازم الذاكرة ويشكلها ويصنع تيارا من الحنين، تلك التحديات التي يجابهها أى قارئ للشعر الغنائي المصرى، ومع ثبات القضية الشعورية حيث الآخر في صورته المحبة...

جميع الحقوق محفوظة © 2024 القاهرة اليوم نيوز